Sunday 7 September 2008

رحلة سنين


لا تمتلك ذاكرتى القدرة أن تصل الى ماهو أبعد من السنة السادسة من عمرى, كنت مختلفة بعض الشىء .. فى أول يوم فى المدرسة كان كل الأطفال من حولى يبكون باستماتة للرجوع الى منازلهم أما أنا فكنت سعيدة جدا بهذا التغيير و بهذا المكان الجديد و بهؤلاء البشر الذين وجدتهم فجأة أمامى بعد أن كلن عالمى فقط هو العائلة.. و الغريب أننى لم أكن أر أننى طفلة مثلهم... كنت أشعر و كأننى أكبر منهم بمراحل ..
و فى سنتى السابعة بدأت فى تكوين الصداقات _من وجهة نظرى وقتها_ و بدأت أنتقى من بين زملائى و زميلاتى من سأصاحب و لكن الحقيقة التى اكتشفتها بعد حين.. أننى لم أختر.,, و لكن جميع صداقاتى يجب أنا تحددها أمى و تقبلها أو ترفضها , أمى ذلك القيد الذى أخذ يطاردنى فترة من الزمن و أخذ يحول بينى و بين الانفتاح على العالم الخارجى ..
. فى سنتى الثامنة لم أر أى جديد فى حياتى و لم أختلف الا اختلافا طفيفا,
فى التاسعة من عمرى انتقلت, انتقلت من كل حياتى , من بيت العائلة و من العائلة نفسها و من المكان الذى كنت أعيش به و من علاقاتى و صداقاتى , الى مكان غريب, جديد, و هنا كانت نقطة تحول فى حياتى , فقد تميزت, ووجدت نفسى أفضل ممن حولى فى كثير من الأمور, و اكتشفت أن لدى مواهب عدة لم اكن المسها قبل ذلك , وجدت نظرة الفخر و الاعجاب فى أعين من حولى , كان فرق كبير..
فى سنتى العاشرة وجدت صديقة عمرى التى شاركتنى شطر كبير من أحاسيسى و خبايايا, و تلك أيضا كانت خطوة هامة فى عمرى أننى انتقيت فعلا من سأصاحب بلا قيود ,
من السنة الحادية عشرة الى السنة الثالثة عشرة فتلك أقسى سنين عمرى حتى الأن , فوقتها لم أكن أجد نفسى , لا أعرف أكبيرة أنا أم صغيرة, كنت لا أجيد التحدث مع أى شخص فى أى سن و كنت أيضا لا أهتم بمظهرى, انحدرت ثقتى بنفسى و كيانى, فقد وصلت الى القاع , فمظهرى غير المتناسق مع نظرة الناس لى أننى طفلة ساذجة و نظرة نفسى أننى كبيرة و ناضجة , جعلا منى صورة كئيبة ساكنة لا تتكلم و لا تتحرك و لا تنفعل.. حييت ثلاث سنوات بلا أهداف أو أحلام أو ثقة بالنفس,
فى الرابعة عشرة من عمرى حدث تحول كبير جدا جدا فى حياتى, عندما اعتدت دخول عالم النت .. العالم الذى لو فضل كبير فى تشكيل شخصيتى, ذهلت بهذا العالم الذى يحكم الناس على فيه من خلال أفكارى و أرائى فقط, بعيدا عن مظهرى و سنى , تعرفت على الكثير من الناس بمختلف السنين و المستويات الاجتماعية و الفكرية و العلمية , عادت ثقتى بنفسى عندما بدأت أبدى أرائى و أسلوب تفكيرى و أعرض ما بداخلى دون حرج,بعد هذا السكون الذى كنت أنغمس فيه, و عندما زدت ثقتى بنفسى , زاد حب الناس جميعا لى, و شعرت اننى ولدت من جديد,
فى سنتى الخامسة عشرة أحببت .. الحب من أول نظرة الحب من طرف واحد الحب الأول الحب المتبادل الحب البرىء الطاهر, جميع أنواع الحب فى حب واحد.. و كلما مرت على الأيام أتيقن أننى لن أعطى مشاعر و أحاسيس مثل التى أحسستها وقتها, فقد كان عقلى فى هذا الحب عاطل لا يعمل, و كان القلب هو المتحكم الرئيسى فى كل شىء,
و فى السادسة عشرة كان التحدى .. ضاع منى حبى الأول, ووجدتنى أعطيت كل ماهو مديح لمن هو خبيث, فدفعنى جرحى للعمل , فلم أيئس, و لكن أخرجت كل طاقتى فى الاجتهاد فى الدراسة و العلم لكى أثبت لنفسى قبل أى أحد أننى أستطيع تحمل المسئولية و أننى على قدر من القوة و الصلابة , و الحمد لله على توفيقى فى اثبات ما أريد ,
و فى السابعة عشرة , دخلت عالم أخر , ليس باختيارى و لكن أجبرت على دخوله,هو عالم الجامعة .. غيرت الجامعة فى نفسى الكثير.. علاقاتى زادت و أصبحت أكثر رقيا, أسلوب حوارى تحسن, أسلوب تفكيرى تطور, اهتمامى بمظهرى و الذى اكتشفت مؤخرا أنه ضرورى زاد بشدة , و الجميل أن علاقتى بربى أيضا الحمد لله تحسنت, فقد أصبحت أناجيه دوما , و أحببت لحظاتى وحدى مع الله , و أحسست أيضا بحب الله لى .. نعم .. لقد أحسستها.. الحمد لله ... أيضا لقد غيرت فى شخصى أشياء كثيرة بعد دخولى الجامعة , مثل الحدة فى التعامل و التسرع فى أخذ القرارات...
و ها أنا أكمل الثمانية عشرة عام ... و أتسائل بعد اغراق فى تفكير عميق... أهذا هو الانسان... كل ما فى الانسان يتغير عام بعد عام.. الأفكار و المبادىء و العلاقات و حتى المشاعر.... و من الجائز أن تتغير الطباع أيضا.. يوجد فى حياة الانسان أشخاص كانو فى لحظة ما كل ماله.. و فى لحظة يحاول ان يتذكر ملامحهم فلا يتمكن من ذلك .. ترى من سأكون و كيف سأتغير و اتبدل و أتحول بعد عشرة أعوام جديدة , ان كان لى نصيب أن أعيش اليها...... كل عام و أنا بخير.. و أسئل الله أن يرزقنى حسن الخاتمة